معادن ثمينة تلمع في الأفق: قراءة متأنية في مسارات أسعار الذهب خلال 2025 و2026

الذهب في 2024: عام الاستقرار والتصحيحات المتعددة

مضت سنة 2024 بحكاية مختلفة عن التوقعات الأولية. بدأ العام بتحفظ نسبي، حيث تراوح السعر حول 2,251 دولار للأوقية في الربع الأول، مدفوعًا برغبة البنوك المركزية في التنويع وقوة الطلب المحلي في الأسواق الآسيوية.

دخل الربع الثاني معه موجة من الارتفاعات، حيث لامس السعر مستوى 2,450 دولار، مستفيدًا من توقعات بتخفيف سياسات الفائدة والتدفقات المتزايدة نحو صناديق الذهب المتداولة. أما الربع الثالث فشهد قفزة ملحوظة إلى 2,672 دولار، عندما بدأت البنوك المركزية بتنفيذ خفض فعلي للفائدة وعودة المشترين الآسيويين بقوة.

الربع الأخير حمل معه تقلبات حادة انعكست على الأسعار التي وصلت إلى 2,785 دولار في أكتوبر، ثم تراجعت قليلًا مع الانتخابات الأمريكية، لتستقر قرب 2,660 دولار، مؤشرًا على عام مستقر نسبيًا لكنه لم يكن خاليًا من الفوضى.

الموجة الذهبية في 2025: صعود لم يتوقعه أحد

ما حدث في 2025 كان نقلة حقيقية. الأسعار لم تكتفِ بالاستقرار، بل اختارت الانفجار.

بدءًا من يناير بسعر 2,798 دولار، شرعت أسعار المعدن النفيس في رحلة صعود متسارعة. مرت عبر فبراير بـ 2,894 دولار، ثم قفزت في مارس إلى 3,304 دولار - قفزة بنسبة 14% في شهر واحد. استمرت الموجة حتى وصلت إلى 3,770 دولار بحلول نهاية سبتمبر.

ولكن الفصل الأكثر دراماتيكية جاء لاحقًا. في 8 أكتوبر، تخطى الذهب عتبة 4,000 دولار للأوقية لأول مرة في التاريخ، محققًا إنجازًا لا يُنسى. بعدها بأيام قليلة، وصل إلى ذروته عند 4,381 دولار في منتصف أكتوبر، متجاوزًا كل التوقعات التي أصدرتها المؤسسات المالية الكبرى.

طوال هذه الفترة، زاد السعر بأكثر من 50% - رقم يثير الدهشة حقًا.

ما وراء الأرقام: العوامل التي حركت السوق

الصعود لم يكن عشوائيًا. هناك تسلسل منطقي من العوامل اجتمعت معًا:

الفيدرالي والفائدة: بدأ الاحتياطي الفيدرالي يشير إلى احتمالية خفض الفائدة، ما جعل الذهب - الذي لا يدر فوائد - خيارًا أجذب.

ضعف الدولار: انخفاض قيمة العملة الأمريكية جعل الذهب أرخص للمشترين الأجانب، معززًا الطلب العالمي.

مشتريات البنوك المركزية: لم تتوقف البنوك المركزية، خاصة في الأسواق الناشئة، عن شراء المعدن النفيس لتنويع احتياطياتها.

عدم اليقين الجيوسياسي: الصراعات المتزايدة حول العالم جعلت المستثمرين يبحثون عن ملاذ آمن - والذهب ملاذهم الكلاسيكي.

أطول إغلاق حكومي: الإغلاق الحكومي الأمريكي الطويل زاد من تصعيد التوتر وتضخيم التوقعات بتخفيف الفائدة.

توقعات 2026: هل الصعود مستمر؟

مع اقتراب عام 2026، تتباين الآراء حول ما سيحمله المستقبل. المؤسسات المالية الكبرى طرحت أرقامًا جريئة:

• جي بي مورجان تتوقع متوسط 5,000 دولار، مع إغلاق الربع الأخير عند 4,900 دولار
• جولدمان ساكس ترى احتمالية وصول السعر إلى 4,000 دولار بمنتصف 2026، أو حتى 4,900 دولار في السيناريو المتفائل
• مورجان ستانلي تتوقع 4,500 دولار بحلول منتصف 2026
• ستاندرد تشارترد تتنبأ بـ 4,300 دولار بنهاية 2025، و 4,500 دولار على مدى 12 شهرًا
• بنك أوف أميركا يتوقع 4,000 دولار بالربع الثالث من 2026
• HSBC تتطلع إلى 5,000 دولار
• ANZ تتوقع 4,400 دولار بنهاية 2025، و 4,600 دولار بمنتصف 2026

التباين واضح، لكن هناك إجماع: الذهب لن ينخفض بشدة.

محركات السعر الأساسية: ما يجب أن تراقبه

التضخم - العدو والحليف

التضخم سلاح ذو حدين. معدل التضخم الحالي حول 3% سنويًا، وهو أعلى من هدف الفيدرالي البالغ 2%. هذا يعني أن القوة الشرائية تتآكل، وهنا يأتي دور الذهب كحامي للثروة.

في 2021 و2022، عندما ارتفع التضخم إلى مستويات عقدية، كان الذهب ملجأ المستثمرين، الذين اندفعوا نحوه ليصل إلى حوالي 1,900 دولار.

قوة الدولار - العكس المضاد

الدولار القوي يضغط على الذهب، والدولار الضعيف يرفعه. في 2020، عندما أطلقت الولايات المتحدة حزم تحفيز ضخمة، انخفض الدولار وارتفع الذهب إلى 2,075 دولار للأوقية في أغسطس - رقم قياسي حينها.

البنوك المركزية - لاعب الظل الحقيقي

البنوك المركزية تمتلك حوالي 23% من المخزون العالمي للذهب. قراراتها تتردد عبر السوق. المشتريات المتزايدة من الأسواق الناشئة تحافظ على الطلب مرتفعًا.

الجيوسياسة - الخوف يبيع

الأزمات، الصراعات، حتى الضبابية السياسية - كل هذا يجعل الناس يركضون نحو الذهب. خلال جائحة كورونا في 2020، انهارت الأسهم وارتفع الذهب فوق 2,000 دولار لأول مرة، مؤكدًا دوره الأساسي كملاذ آمن.

صناديق الاستثمار - الطلب الحديث

صناديق الذهب المتداولة فتحت الباب أمام الملايين للدخول بسهولة. في 2020، عندما بدأت الأزمة، اندفع المستثمرون نحو هذه الصناديق، وأضافت حوالي 700 طن إلى محافظها خلال أشهر قليلة - مساهمة ضخمة في رفع الأسعار.

المجوهرات والاستخدامات الصناعية - الطلب الكلاسيكي

الهند والصين يستهلكان ملايين الأوقيات سنويًا للمجوهرات. هذا الطلب المستقر يشكل قاعدة دعم للسعر. بجانب ذلك، دخل الذهب عالم التكنولوجيا، من الهواتف الذكية إلى الأجهزة الطبية.

استراتيجيات الاستثمار: اختر ما يناسبك

للصابرين: الاستثمار طويل الأجل

شراء سبائك أو عملات ذهبية والاحتفاظ بها سنوات. المزايا واضحة: أمان، حماية من التضخم، ملكية مباشرة. العيوب: تكاليف التخزين والتأمين، وعدم توليد دخل فوري.

للمتحفزين: الاستثمار قصير الأجل

عقود الفروقات تسمح بالمضاربة على تحركات الأسعار اليومية دون امتلاك الذهب الفعلي. يمكنك الربح في السوق الصاعدة أو الهابطة. لكن احذر: الرافعة المالية تضخم الأرباح والخسائر معًا.

مثال: إذا أيدعت 1,000 دولار برافعة 1:100، تستطيع التحكم بـ 100,000 دولار. ارتفاع بـ 10 دولارات يعني ربح 10,000 دولار، لكن انخفاض بـ 10 دولارات يعني خسارة مماثلة.

الطريق الوسط: الصناديق المتداولة

صناديق الذهب المتداولة توفر المرونة دون تعقيدات التخزين. تتابع سعر الذهب الفوري بشكل حقيقي، وتوفر سيولة عالية.

نصائح لا بد منها قبل البدء

افهم السوق أولًا: اقرأ، تعلم، فهم كيف يتحرك الذهب. لا تندفع أعمى.

حدد أهدافك: هل تريد الحفاظ على الثروة؟ أم تحقيق أرباح سريعة؟ الهدف يحدد الاستراتيجية.

قيّم تحملك للمخاطر: رغم أمان الذهب، إلا أن الأسعار قصيرة الأجل قد تتقلب بحدة.

لا تترك مدخراتك تذوب: التضخم يأكل القيمة ببطء. الذهب يحميك منها.

راقب محفظتك: لا تشتري وتنسى. تابع، قيّم، أعد توازن إذا لزم.

تحلَّ بالانضباط: العواطف هي عدو المستثمر الأول. التزم بخطتك.

المخاطر التي قد تغير اللعبة

ليست كل التوقعات ستتحقق. هناك عوامل قد تكبح الصعود:

• عودة الفيدرالي إلى رفع الفائدة ستضعف جاذبية الذهب
• انتهاء النزاعات الجيوسياسية قد يقلل الطلب على الملاذات الآمنة
• خروج جماعي من صناديق الذهب نحو أصول أخرى قد يضغط الأسعار

خلاصة: رحلة الذهب تستمر

توقعات الذهب لـ 2025 و2026 تشير إلى سنوات حافلة. الأسعار قد تتحرك في نطاق 4,000 إلى 5,000 دولار، وهو نطاق مرتفع تاريخيًا. لكن النجاح ليس مضمونًا - يعتمد على خياراتك وانضباطك.

سواء اخترت السبائك للحفاظ على الثروة، أو عقود الفروقات للمضاربة السريعة، أو الصناديق المتداولة للتوازن، الذهب سيبقى بجانبك. في العصر الذي تسوده عدم اليقين، قد لا يكون هناك أفضل من معدن لا يكذب ولا يخيب.

الخطوة الأولى: حدد ما تريده حقًا. كل شيء آخر سيتبع من تلقاء نفسه.